الفنان المراكشي مولاي عبدالقادر العلوي

مقال حول الفنان المراكشي العلوي مولاي عبدالقادر وما يعانيه
بقلم فؤاد زويريق
لم يدر في خلدي يوما ان ظروفا ما ستدفعني لتناول هذا الموضوع والكتابة فيه ربما لأنني أنا البعيد القريب لم أشأ محو تلك الصورة الطاهرة والنبيلة للفن في بلادنا من ذهني وتعويضها بصورة مقززة، مستفزة تكرهني فيه وتبعدني عنه... لم تكن لدي أدنى فكرة عن حجم معاناة الفنان المغربي التي تصل للأسف الشديد الى مستوى كارثي ومفجع، بل لم اتخيل مطلقا ما شاهدته وانا أقف عن قرب على بعض الحالات التي صدمتني حقا وجعلتني أتساءل مستغربا من المسؤول؟؟؟ ربما هو سؤال فضفاض لم ولن يستطيع احد منا فك طلاسمه لأن شعابه طويلة ودروبه مموهة.
معاناة الفنان لا يمكن بتاتا فصلها عن مشاكلنا الاجتماعية والانسانية والثقافية التي نتخبط فيها ولا يمكنها أن تُشكل استثناء علينا تخطيه، بل على العكس وجب اظهارها ومناقشتها علنا دون خوف أو خجل حتى نصل إلى حل بأقل خسارة ممكنة، فالفن جزء لا يتجزأ من النسيج الإنساني والثقافي والإبداعي والتراثي... لمجتمعنا، والاهتمام به اهتمام بانسانيتنا وحضارتنا، فلا حضارة بدون فن على الاطلاق، فاهتمامنا بالفن يجب ان يصاحبه اهتمامنا باصحابه وتهميشهم يعني تهميش الفن ذاته ورقيهم يعني رقيه وبالتالي رقي المجتمع وسموه، ما تسرب مؤخرا إلى العلن عن ظروف الفنانين المغاربة كثُر حتى تجاوز الحد، فأعوزنا الوقت لدراسته وبالتالي تحليله. فنانون سحقهم الفن، رغم ما يشاع عنه من نبل وانسانية، ربما هي إشاعة قابلة للتصديق هناك في الضفة الأخرى، أما في المغرب فمثل هذه الصفات تنتفي ليصبح الفن فخا قاتلا يكشر عن انيابه فور ولوج ابوابه، فنانون رُمي بهم ليطأهم الزمان بأقدامه ويتحامل عليهم زملاؤهم تحاملا مؤلما، ألم يُقل يوما (خوك فالحرفة اعدوك).
العلوي مولاي عبدالقادر فنان من هذه الطينة المسحوقة ربما لم يعد يسمع به أو يشاهده أحد لأن صوته خبا وصورته تهشمت وذبلت ملامحها، هناك بين أزقة مراكش تجده متجولا من زقاق الى زقاق عله يحظى بنظرة عطف من هذا أو ذاك، أو متنقلا بين مقاهيها مكرها يتلمس ذاكرته بين خلانه القدامى لعله يجد من ينير له الطريق من جديد.
العلوي مولاي عبدالقادر فنان حساس بطبعه لا يسمح له كبرياؤه بمد يده استجداء من أجل درهم أو اثنين رغم انه يحتاج إلى كل فلس يستقوي به على ضنك العيش وشدة العوز وظلم الزمان، هذا الأخير الذي لم يجد شيئا يسلبه اياه فسلبه الوسلية الوحيدة التي هي مصدر قوته، صوته.
أجرى العلوي مضطرا عملية جراحية معقدة على حنجرته أفقدته القدرة على الكلام، فأصبح يخاطب الناس كتابة، بعدما كان لصوته الجهوري سطوة تهز أركان المسرح هزا، اليوم هو قعيد البيت دون مورد رزق يساعده على تحمل مصاريف العلاج والأدوية. حالته تلك تثير الشفقة والحسرة ليس عليه شخصيا بل على ما آل إليه حال الفن في أجمل بلد في العالم، حالة تضعف إيماننا -الهش أصلا- بمسؤولينا وتزيد من شكنا في كل تلك الشعارات الجوفاء التي يرفعها هذا أو ذاك، هنا أو هناك، معلنا عن تسوية وضعية الفنان المغربي وشمله بكل الحقوق الضرورية أقلها التغطية الصحية، كلام مهترئ، وخطب مستهلكة، بروباغندا تسويقية أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع لدر الرماد في العيون لا غير، والحالات عندنا متعددة ومتكررة لا تحصر في العلوي مولاي عبدالقادر وحده.
ولد العلوي مولاي عبدالقادر سنة 1953 بمراكش ويعتبر عضوا مؤسسا في غرفة الممثلين المغاربة فرع جهة مراكش، وعضوا مؤسسا في النقابة الوطنية لمحترفي المسرح بمراكش، عضويتان لم تنفعاه في شيء، بل لم يتكلف المكتبان اللذان ينتمي إليهما وساهم في تأسيسهما حتى عناء السؤال وتتبع حالته وإيصالها إلى المسؤولين، وذلك أضعف الايمان.
المشوار الفني للعلوي مولاي عبدالقادر بدأ مع فرقة شبيبة الحمراء(1968) بمسرحية 'قريقعة' مع نخبة من الممثلين من بينهم أعضاء فرقة جيل جيلالة (مولاي الطاهر الاصبهاني، عبدالعزيز الطاهري، محمد الدرهم... ) ليبدأ بعدها التدريب الاحترافي على يد كل من الطيب الصديقي والطيب العلج والعديد من رواد المسرح الوطني.
شارك العلوي مولاي عبدالقادر في العديد من المسرحيات كممثل من بينها ('التكعكيعة' و'خدوج' و'بولعقول' و'ازرب تعطل' للمخرج عبد الكريم بناني، 'شاعر الحمراء' و'نفحات من ذاكرة مراكش' للمخرج محمد حسن الجندي،'روش العجينة' و'الكرنيطة' للمخرج بن مشيش، 'المحنة' للمخرج مصطفى تاه تاه...) كما أخرج وألف مسرحيات أخرى كـ ('ازرب تعطل'، و'كروش العجينة' كمؤلف، و'الصولدي' كمخرج...) لم يكتف الربرتوار الفني للعلوي بالمسرحيات بل تعداها ليشمل الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزية الوطنية والعربية والعالمية ونذكر هنا على سبيل المثال (باي باي اسويرتي للمخرج داود اولاد السيد، مكروم لنفس المخرج، مبروك للمخرج ادريس اشويكة، طيف نزار للمخرج كمال كمال الذي الذي أدى فيه صوت الممثل محمد مفتاح، صقر قريش للمخرج السوري حاتم علي، القعقاع للمخرج السوري المثنى..Jardins secrets، Les Aventures du jeune Indiana Jones... والعديد من الأعمال الأخرى التي لا يسعنا ذكرها في هذا الحيز ).
في حديثه معنا لم يطلب الفنان المراكشي أكثر من حقه، ولم يدع إلا الى الإنصاف، ولم يتخوف سوى من المستقبل خصوصا وأن مورده الوحيد والأوحد هو الفن، خفت صوته فتوقف رزقه وهجره أصدقاؤه وتنكر له زملاؤه، أصبح وحيدا يعاني في صمت، في حديثه معنا اشتكى من وضعية الفنان وتأثيرها على الساحة الوطنية، لم يكن أنانيا في مطالبه بل شدد على أن مطالبه هي مطالب كل الفنانين المغاربة الذين أجبرتهم ظروف العيش وضيق ذات اليد على الانزواء والانكفاء بعيدا أو الموت في صمت دون أن يشعر بهم أحد.
مازال في جعبة العلوي مولاي عبدالقادر الكثير ليعطيه لفنه ووطنه فإذا كان صوته سبب علته فمازالت قدراته الجسمانية والعقلية قادرة على العطاء خصوصا في مجال التأليف المسرحي والسينمائي فقد أعطى الكثير في هذا المجال ومازال قادرا على الاستمرار. نتمنى حقيقة أن يُنصف هذا الفنان وأمثاله ويستفيد الفن والإبداع المغربي من موهبتهم وعطائهم حتى آخر رمق عوض التنكر لهم، والإجهاز على كرامتهم، والحط من إنسانيتهم.

جريدة القدس العربي
بقلم فؤاد زويريق
كاتب وناقد سينمائي مغربي مقيم بهولند