حومة إسبتيين

حومة إسبتيين             
                                                                        إلى اولاد إسبتيين المخرجين الجن من الڭلتة.
حومة السبتيين أو إسبتيين كما ينطقها المراكشيون ـ لعل هذا التحريف في النطق ناتج عن تأثير اللسان الأمازيغي ، أو لتخفيف نطق الكلمة ـ هي واحدة من أعرق حومات مدينة مراكش. تقع في الجانب الشرقي للمدينة وسط عدة حومات، فهي تجاور حومات باب أيلان، سيدي ايوب، سيدي سوسان ـ الرشيدية، باب الدباغ، الموقف ثم حومة بن صالح.
يذهب جل الباحثين إلى أن هذه الحومة تأسست في نهاية الدولة المرابطية وبداية حكم الموحدين؛ مع العلم أنه ليس هناك تاريخ مؤكد لتأسيس هذا الحي.
أما فيما يتعلق بالتسمية ،هناك عدة روايات .البعض يرى أن سبب التسمية يرجع إلى كون المنطقة كانت سوقا يقام يوم السبت لذا سميت بإسبتيين.إلا أن بعض المصادر التاريخية تؤكد أن سبب التسمية راجع إلى كون هذا الحي استقر به الوفد القادم من مدينة سبتة الذي رافق الولي الصالح القاضي عياض لتقديم بيعة أهل سبتة لعبد المومن بن علي ، وقد اشار اليها عدة مرات صاحب التشوف. فيما يذهب آخرون إلى التسمية مرتبطة بالولي الصالح أبو العباس السبتي الذي أقام في المنطقة حين نزل من خلوته في جبل ڭيليز.
يحكي الأستاذ عبد الرحمن الملحوني بأن دروب هذه الحومة تأوي قبور مجموعة من الاولياء المتحدرين من مدينة سبتة بدرب السقاية او درب الجديد.هناك الولي الصالح ابو عبد الله الملقب بزروق ويوجد ضريحه بداخل مسجد الحومة بدرب السقاية وعليه دربوز من خشب؛ وهناك ايضا الولي سيدي مسعود بن ادريس بداخل درب الرمانة ومبارك الشيباني بقعر درب السقاية؛ ويستمر الاستاذ في حديثه عن هذه الحومة من خلال برنامج إذاعي ويذكر أنه بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف كانت الحومة تعرف ظاهرة صوفية فريدة تسمى '' المحلة ''.إذ تأتي مجموعة من الشيوخ يتقدمهم شيخ وقور لديه علم السند وله معرفة بأسماء الأولياء الصالحين المتحدرين من مدينة سبتة والمدفونين بدروب الحومة.
جغرافيا تبتدأ حومة إسبتيين من قوس سيدي ايوب وتنتهي بدرب الحمام.وهناك خلاف حول درب الحمام ، هل ينتمي هذا الدرب لحومة إسبتيين ام هو تابع لحومة الموقف ؟ يذهب الراحل مولاي إسماعيل العلوي السلسولي، شاعر الملحون وأحد أبناء هذه الحومة، يذهب إلى أن درب الحمام هو جزء لا يتجزأ من إسبتيين بدليل أن لديه رسائل ومراسلات تحمل عنوان: درب الحمام إسبتيين وليس الموقف.
تحتضن هذ الحومة عدة دروب لعل أكبرها هو درب السقاية الذي تتفرع بداخله دروب اخرى اهمها تاقندوت ودرب الرمانة.هناك درب الجديد ،وبالمناسبة لا بد ان اذكر هنا صديق الدراسة بثانوية يوسف بن تاشفين سيدي عبد اللطيف العلواني بيبي الذي كان يسكن هذا الدرب.هناك ايضا درب النصر.ودرب النصر هذا كان في الأصل فندقا اشتراه الحاج المهدي المنيعي الدباغ وجزأه إلى مجموعة من الدور وقام ببيعها وهكذا أنشئ درب النصر.
لا يمكن ذكرحومة إسبتيين دون ذكر الملحون.في هذه الحومة وبالتحديد في درب الجديد كان يقطن شيخ أشياخ الملحون الحاج محمد بن عمر الملحوني؛ وحوله كان يتحلق مجموعة من المولوعين بهذا الفن من شعراء ومنشدين نذكر بعضهم : أحمد أبو الديهاج ، ولد الطالب لحسن ، ابن الطاهر اللباط وشيخه اسماعيل الدكالي ، احمد العجيلة ، ابريك البهات ، العربي امجيمر ، احمد بن ابراهيم شقلاب ، العزيزي الدخيم ، قزبور ، محمد بوستة السويطة، الزاوية ( بامر سيدي مولانا )، بن موسى ، العسيكري ، بن حسن الكوامنجي ، مولاي ابراهيم الطيبة.
حين ندكر إسبتيين لابد لنا من ذكر '' الطونية '' ؛ و'' الطونية '' هي مكان اشتغال العجيلة وهو الذي امتهن حرفة الخرازة.كانت الطونية أول ناد يجتمع فيه عشاق الملحون. كلمة '' الطونية '' لها علاقة بالزيت ، فهل كان هذا المكان محلا لبيع الزيت ؟ نرجو من أبناء إسبتيين ان يوضحوا لنا الأمر. قبل اشتغال العجيلة في هذا المكان، كانت الطونية محلا لمقدم الحومة أحمد '' سلوم لهبال ''. لا يجب أن نغفل كذلك دكان السي بريك فيهار البرادعي، وهي حرفته، الشهير ب '' البهات ''. و قياس أم قوييس '' البهات '' الذي التصق بالسي بريك مدى حياته كان قد أطلقه عليه دباغا يدعى المحجوب صرفاق.
في فضاء الطونية وإبان فترة الإستعمارأنشد شيوخ الڭريحة عدة قصائد وطنية تحشد همم الشعب وتدعوه إلى مقاومة المستعمر، وكانت من نظم الحاج محمد بن عمر الملحوني:
'' ماعظم يوم الخميس بانت رجال**في وطان البهجة خرجت كاتقاتل ''
وقصائد أرخت لأوقات عصيبة مر منها الشعب المغربي خلال الحرب الكونية الثانية كعام البون:
'' ناس السربيس ياهلي صبارة**ماتخاف من دوارة**ماتبالي بصحاب الضوس والنواعر** الخبز بيناتهم دار**باعوه فالمارشي نوار ''
عند الحديث عن إسبتيين يتبادر إلى ذهن المراكشيين ماغوس وحريرته الشهيرة. ماغوس هذا من معالم الحي.كذلك لا يمكن إغفال ظاهرة كانت معروفة في إسبتيين ألا وهي عملية كي البهائم في ساحة الحومة. معلمة أخرى هي فندق مولاي حفيظ الذي كان يحتضن '' اللباطة '' الذين يحولون '' البطاين '' إلى '' هياضر ''.
تزخر هذه الحومة بمختلف الفنون التراثية من ڭناوة وملحون ودقة و حمادسة وتهامة وحضارات.....لعل أبرز الوجوه في هذا المضمار هو المعلم علي المنسوم رحمه الله. هذا الرجل اجتمع فيه ما تفرق في غيره فهو ڭناوي ، دقايقي ، تهامي ، أمين مال الجماعة إبان جمع أموال النزاهة في عاشوراء. تتلمذ المعلم علي المنسوم في فن تاڭناويت على يد المعلم محمد الكعيا ،أب عرفة الكعيا. كان المعلم علي مسكونا بتاڭناويت ؛ الليلة الڭناوية التي يحييها تكون دائما ليلة صاخبة ، عالقة في ذاكرة المريدين..أما في ما يتعلق بالدقة فيعتبر '' ڭور '' حومة إسبتيين من أهم '' ڭوار '' المدينة ويتميز بخاصية فريدة إذ يعمد المعلم علي المنسوم إلى إدخال الطبل '' ڭانڭا '' عند دخول '' أفوس ''. كما يعتبر المعلم علي أحد مؤسسي فرقة '' أيت الربعين '' التي كانت تضم مجموعة من خيرة الدقايقية، نذكر منهم بابا ، باجلول القراقشي، مولاي ابراهيم ، احمد العجيلة الطرايري ، عرفة الكعيا ، المشوش ، عمر المنسوم '' كازيموطو'' واحد من امهر '' العراجة ''، إلى جانب مجموعة أخرى من الدقايقية لا يسمح المجال لذكر أسمائهم.
كانت هناك كذلك فرقة تهامة وينقسم إلى فصيلين، الأول يتقدم الجنائز يردد خلالها التهاميون أذكارا خاصة بالمآثم . أما الفصيل الثاني فهو خاص بالأذكار الصوفية إذ يجتمعون بالزاوية الوزانية بحومة القصور.ومن بين أذكارالتهاميين:
'' أمولاي الطيب**لا تمشي وتغييب** لا تمشي وتغييب فبلادات بعيدة**مولاي التهامي**مول السوق الحامي** صاحب الجلالة**هو يشفع فينا ** هو وجدو يارسول الله. ''
هناك ايضا الطائفة الحمدوشية وكان مقدم هذه الطائفة هو الحاج بريك المزريوي وابنه الحاج ابراهيم. كانت تحيي طقوسها خصوصا في العيد النبوي الشريف حين يستقبلون نظراءهم من دمنات.
يحكي الحاج الفاضل الذهبي وهو من أبناء هذا الحي أن نزاهة اولاد إسبتيين كانت تنظم في ثلاث عرصات : عرصة الرشيدية لصاحبها الحاج محمد الكمباسي ، وعرصة قشيش لصاحبها الحاج التهامي الڭلاوي ، ثم عرصة باني قرب با اغمات.ويذكر بعض '' وقافة '' النزاهة ،من بينهم عبد السلام الڭزار الطرايري، عمر قنينبة ، الحاج بريك المزريوي مقدم حمادشة.
حومة إسبتيين هي كذلك حومة المقاومين والمقاومات؛ يحكي مولاي اسماعيل العلوي السلسولي ''بوريط '' كيف تم اعتقال والده مولاي العربي لانه هرب السلاح من الدار البيضاء وخبأه في منزله بإسبتيين.استغل مولاي العربي عمله في نقل جلود ''بطاين '' الاغنام من مراكش إلى الدارالبيضاء ونقل معه كيسا ''خنشة '' مملوء ا بالسلاح لفائدة المقاومين بمراكش.وخبأ السلاح في '' خربة '' بمنزله بدرب السقاية وحين علم الفرنسيون بالأمر فتشوا المنزل ركنا ركنا لكن لحسن حظ اسرة مولاي العربي لم يعثروا على السلاح المخبأ بعناية. نذكر كذلك المقاوم عبد الجليل رضى الملقب ب '' طابع الجنون '' الذي اعتقل لأن الفرنسيين وجدوا لديه مجموعة من المسدسات. هناك ايضا احمد ولد عبد الله الفوالالذي يقال إنه فجر قنبلة في الڭولف.
لم يقتصر امر المقاومة على الرجال بل كانت هناك نسوة ساهمن في النضال والمقاومة ضد ا لمستعمر نذكر من بينهن لالة امينة زوجة الحاج احمد ڭسوس وام الدكتور عبد العزيز ڭسوس الاستاذ بجامعة القاضي عياض.كانت هذه السيدة تعمل على تأطير نساء الحي وذلك بتعليمهن القراءة والكتابة. إلى جانب هذه السيدة كانت هناك السيدة لالة غيثة أخت مولاي ابراهيم القراقشي المايسترو، كانت تتميز بشجاعة وبسالة نادرتين؛ إذ يحكى انها واجهت فرقة من المجندين السينيغاليين الذين حالوا اقتحام الحي.
في الميدان الرياضي يمكن ذكر الفقيه محمد بلحسن ومولاي مبارك لعسل وعبد المجيد ولد الفقيه السكوري و بالغالي وكلهم برزوا في كرة القدم.في الملاكمة نجد مولاي احمد لهماصي ، عبد القادر تاقورة الذي انتقل إلى نادي الجيش الملكي ليمارس الملاكمة مكدلك وجب ذكر عزيزي بيه. في مجال العاب القوى ، برز السي محمد العلواني رحمه الله والحاج احمد هوشامي وعبد اللطيف المحو .في السباحة برز مولاي مبارك لعسل.
العائلات التي استوطنت حومة إسبتيين: نذكر هنا بعضها لانه تصعب ذكر كل العائلات، الملحوني، المحرزي ، العلوي السلسولي ، المنسوم ، موهوب ، إيمان ، ولي الدين ، بلغالي ، مصنف ، العلواني بيبي، حميدو ، الذهبي ، المزريوي ، المدغري ، بانا ، المحجوب الڭناوي.

                                                     اڭادير 10 ابريل 2020.